(2) سلسلة التنبهيات التأصيلية
فضيلة الشيخ المحدث محمد عبد الحكيم القاضي
(2) سلسلة التنبهيات التأصيلية
(1) مصنفون ومذاهب
اعلم أخي الحبيب أن أكثر أهل العلم وطلابه لم يغتروا بعلم أحد قد بُرِّز في الفنون إذا عُرِف بالبدعة، وإنما نفروا منه مهما كان من علمه مخافة أمرين:شيوع أمره بكثرة طلابه.تأثيره في طلابه ببدعته.خصوصا وقد علمنا في الحلقة السابقة أن هناك اتصالا بين علوم العقيدة والعلوم الأخرى.ةوالآن نستعرض أمثلة يسيرة على وجود نابغين في الفنون المختلفة من المعروفين بالبدعة. فلا يغتر بتميزه في فقه او حتى مباحث عقدية يوهم أنها الحق او غيرذلك. من هؤلاء:ة1 – الوقشي: وهو العلامة ذو الفنون هشام بن أحمد بن هشام بن سعيد بن خالد الكناني القاضي أبو الوليد الباجي توفي سنة 489 هـ. قال ياقوت: "وكان أديباً شاعراً متوسعاً في ضروب المعارف متحققاً بالمنطق والهندسة، ولا يفضله عالم الأنساب والأخبار والسير".وقال ابن بشكوال في الصلة: "الوقشي أحد رجال الْكَمَال فِي وقته، باحتوائه على فنون الْعلم، وَجمعه لكلمات المعارف؛ وَهُوَ أعلم النَّاس بالنحو واللغة ومعاني الْأَشْعَار وَعلم الْعرُوض وصناعة البلاغة؛ وَهُوَ بليغ مجيد شَاعِر مقدم حَافظ للسنن وَأَسْمَاء نقلة الْأَخْبَار، بَصِير بأصول الاعتقادات وأصول الْفِقْه. وَاقِف على كثير من فَتَاوَى فُقَهَاء الْأَمْصَار، نَافِذ فِي علم الشُّرُوط والفرائض، مُحَقّق لعلم الْحساب والهندسة، مشرف على جَمِيع آراء الْحُكَمَاء، حسن النَّقْد للْمَذْهَب، ثاقب الذِّهْن فِي تَمْيِيز الصَّوَاب، وَيجمع إِلَى ذَلِك آدَاب الْأَخْلَاق، مَعَ حسن المعاشرة ولين الكَنَف، وَصدق اللهجة". بغية الوعاة (2/ 327).كل هذا .. ومع ذلك يقول القاضي عياض:"كان غاية في: الضبط، نسابة، له تنبيهات وردود. .. ولكنه أتهم بالإعتزال، والف في: القدر والقرآن فزهدوا فيه". لسان الميزان (6/ 193)ةتنبيه:والباجي هذا غير: أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الفقيه المالكي المشهور صاحب شرح الموطأ.2- الحسن بن محمد بن أحمد أبو محمد الإسْتِرَابَاذي، الفقيه الحنفي. الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (3/ 389)قال ابن السمعاني: كان قاضي الري، ومن مفاخرها في الفضل والعلم والرَّزَانة، بهيُّ المنظر، فصيح العبارة، حسن المجاورة، كثير المحفوظ، عارف بآداب القضاء، كتبت عنه بالري، وكان يرى الاعتزال، و ... مع السعة الكثيرة. تاريخ الإسلام (11/ 778)ومع ذلك كان الناس يسخرون منه لمعتقده وبخله فقالوا فيه:وقاضٍ لنا خبزه ربّهُ ... ومذهبُهُ أنّه لا يُرىتاريخ الإسلام (11/ 778)وعلى هذا المنوال تجد كثيرا ممن عرفوا بالبدعة من المصنفين البارزين وكانوا مبرزين في الفقه أو الحديث أو اللغة أو الأدب.ة** ولعلنا نذكر ابن عقيل الإمام الحنبلي الفقيه البارع، الحنبلي المقرئ، الأصولي.شيخ الحنابلة، وصاحب كتاب الفنون، الذي بلغ أربعمائة وسبعين مجلدا.وكان إماما مبرزا، متبحرا في العلوم يتوقد ذكاء، وكان أنظر أهل زمانه.قال السلفي: ما رأيت عيناي مثله، ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه، وبلاغته وحسن إيراده، وقوة حجته.معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (ص: 261)وللأسف فقد وقع في التجهم والاعتزال بفضل بعض شيوخه الذين تربى عليهم قال الذهبي: " وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان، صاحبي أبي الحسين البصري، شيخ المعتزلة، ومن ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال، وانحراف عن السنة".ةفاللهم يسر لنا طريق السنة واهدنا إلى لزوم شيوخها الكبار ولا تدفعنا عنهم بذنوبنا يا رب العالمين
يتبع إنشاء الله